الأولى : المرحلة العاطفية .
غالباً ما تكون مرحلة المراهقة مرحلة يفقد فيها المراهق ( العاطفة ) و (الحنيّة) فيسعى لتحقيق تلك الرغبة في أي مجال يتمكن منه .
ولا ريب أن إشباعها يعني الكثير للمراهق ، و من ثم يتودد إلى من يشبع له تلك الرغبة و يحققها له ، وإشباع الحاجة العاطفية لدى المراهق تكون بأمور كثيرة ، منها :
1. عذوبة اللفظ، فإن غالبا ما يواجه المراهق بألفاظ فيها قسوة مما يجعله نافرا عن قبول أي شيء من المقابل له ، و تتأكدُ هذه الحالة في حين وجود أخطاء من المراهق ، حيث نقابله باللفظ السيئ إن أخطا.
2. معاملته بتفكيره و المسير معه في تفكيره، و محاكاته في طموحه ، و التفاعل مع أطروحاته مما يشبع حاجته العاطفية ، فهو يحب من يفكر كتفكيره ، و يميل إليه.
و لتكن مدركا إلى أن التفاعل معه في هذه النقطة ممهد للمرحلة الثانية ، وللقيام بذلك هناك العديد من الخطوات ومن بينها :
أولا : التبصر بمواضع الضعف في المراهق، فحيازة هذه الخطوة و النجاح فيها مكسب كبير جدا للمربي ، إذ موضع الضعف في المراهق هو مكمن الخطر و موطن الزلل . تقول كيف ذلك ؟ فأقول : الغالب على المراهقين أنه يشعر بخرق في شخصيته فتراه محاكيا من هو أرفع منه - في ظنه - فلا يعترف أنه ذو شخصية متفردة متميزة، وهذه من أجزاء نقطة الضعف التي تكون في المراهق .
ثانيا : معرفة ميول المراهق ، فإن سن المراهقة سن أحلام و أمان عريضة ، و مرحلة واسعة الخيال لدى المراهق، فتراه يتمنى أماني، و يسبح في خيالات واسعة الأرجاء ، ومعرفتها مهمة جدا فمنها يكون التوجيه و منها تكون التربية ، و بِعدمها لن يكون أي نتاج متين في سلوك التربية مع المراهق .
ثالثا : التوجيه اللبق - واللباقة الحذق في العمل - ، و هذه بيت القصيد في حياة المراهق فإنه لم يجد من يقوم بتوجيهه نحو الصواب له في حياته ، و لم يظفر بمن يسدد له تصرفاته ، والمراهق يتصرف بما يراه من أعمال و تصرفات حوله من الناس الذين يراهم قدوة له يتأسى بهم ، و حين لا يرى من يوجه ميوله نحو السداد ، و يهديه نحو الكمال فإنه سيبقى سادرا في مسيره ، هائما في طريقه .
وهنا لا يحتاج المربي إلى كبير عمل لأن المراهق نفسه قد أبدى من نفسه قناعاتٍ كثيرة جدا ، و ما عليه بعد إلا أن يبين للمراهق بأن الطريق الصواب هو من هذه الجهة ، و بلزوم تلك الطريق . فإذا ظفر بها المربي و أحسن سلب لب المراهق - هنا - يكون البدء بالمرحلة الثانية التي تعقب المرحلة العاطفية ، و هي :
الثانية : المرحلة التربوية :
وهذه المرحلة هي الأساس و هي المقصد و الغاية من معاملة المراهق و العناية به ، وتربية المراهق لن تكون صعبة ، يستطيع المربي التنقل بالمراهق في مجالات كثيرة جدا .
ومجموع تلك المجالات ثلاث مجالات :
الأول : المجال المعرفي :
المعرفة مما ما يميز الله به بين الإنسان و الحيوان ، بل هو أداة العقل و غذاؤه ، ولا يخلو منه الإنسان مهما كان ، والمعرفة يتفاوت البشر في تحصيلها ، ويتفاوتون في قيمتها، وقيمة المرء ما يحسنه ، و أهميتها بالنسبة للمراهق تتركز في جهتين اثنتين :
• أنها توجيه و تبصير .
• أنها تثبيت و تأييد .
و المعرفة تتنوع و إليك أنواعها :
1- المعرفة الدينية، و هي التي يكون بها معرفة المراهق أمور دينه و أحكامه ، وهي قسمان :
الأول : الواجب العيني، و هو أنواع أربعة :
أ- أصول الإيمان، و القدر الواجب منها العلم الجملي لا التفصيلي .
ب- الأحكام الفقهية، و هي أركان الإسلام. وعلينا معرفة كيف نقوم بتلك العبادات.
ج- معرفة المحرمات، و هن خمس كبائر، في قول الله تعالى: { قل إنما حرَّمَ ربي الفواحش ما ظهرَ منها و ما بطن و الإثمَ و البغي بغير الحق و أن تُشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون } .
د- الأخلاق و الآداب مع الناس خاصة و عامة فإذا مر المراهق على هذه المسائل معرفة إتقان و دراية بها يكون قد أتى بما لا يجوز له لجهل به في دين الله تعالى.
القسم الثاني : الواجب الكفائي، وهو الإتيان بالعلم بما لا يجب على الإنسان أن يتعلمه و إنما هو من باب الكفائية و الندب .
2- المعرفة الثقافية العامة، كالاشتغال بسائر العلوم التثقيفية كالتاريخ ، والأدب ، والإدارة وغيرها من الثقافات .
الثاني : المجال الإيماني :
الإيمان أساس الحياة، و لا يستغني عنه المرء أبدا ولو تمتع بكل ما أوتيه من متع و لذائذ ، والتربية الإيمانية مهمة في حياة المراهق، و أهميتها في أمرين :
• أنها أساس في حياته عامة، و في حياة المراهقة خاصة .
• توثيقا للصلة بينه وبين الله تعالى ، و نتائج هذه كثيرة ومهمة للمراهق .
و المجالات التربوية الإيمانية ثلاثة :
أولها : الصلاة، والمراد بها غير الفريضة كـ : الرواتب، و قيام الليل، والوتر، والنافلة المطلقة، و النافلة المقيدة .
ثانيها : الذكر، وهو ذكر الله _ تعالى _ ويقصد به غير الواجب، والواجب ما تقوم به الصلاة، والمقصود _هنا _ : أذكار طرفي النهار، وأدبار الصلاة، والذكر المطلق .
ثالثها : قراءة القرآن في : إقبال النهار وإدباره ، ودبر الصلوات، والورد اليومي، ولا يراد بقراءته الواجبة التي لا تتم الصلاة إلا بها كالفاتحة .
هذه هي مجالات التربية الإيمانية للمراهق، وهي الداعم المعنوي للسير به نحو التميز والتفوق.
الثالث : المجال الخلقي :
المرء مدني بطبعه، لا يستغني عن معاشرة بني جنسه، ولا يستطيع الفكاك عنهم مطلقا، وهذه الغريزة النفسية التي وهبها الله المرء تحتاج إلى من يصقلها و يهذبها، ويصوب سيرها نحو الكمال والتمام ، ومن كمال الشريعة أن جاءت بما يكمل هذه الناحية، ويهذب هذا المجال، فجاءت بأخلاق كثيرة جدا وآداب بها قوام السلوك الاجتماعي على أحسن وجوهه.
والمراهق جزء من المجتمع المسلم - و غيره - فلابد من تربيته أخلاقيا حتى يستقيم سيره بين الناس على أحسن الأوجه، و أتم الصور ، وقد جاءت الشريعة بأخلاق المعاشرة الاجتماعية ونوعتها أنواعا متعددة يصعب حصرها في هذه العجالة، و الإشارة إلى أصول الأخلاق حسن جميل ، وأركان الخلق الحسن :
1- العلم، ومضى تقرير ما يحتاجه المراهق .
2- الجود، وهو مراتب أعلاها : بذل النفس، وبذل العلم، وبذل الجاه، وبذل المال .
3- الصبر، وهو أربعة أنواع :
- صبر على الطاعة .
- صبر عن المعصية .
- صبر عن فضول الدنيا .
- صبر على المحن و المصائب .
هذه مجالات المرحلة الثانية في التعامل مع المراهق، والسير معه في إقحامه درب النجاة ، وتبقى لفتة ذات بال يجب الوقوف عندها، وهي : أن تمام تينك المرحلتين صنعا وإحكاما يكون بالمربي ذاته ، فمتى ما كان المربي على أوفق حال و أجملها كان النتاج طيبا مباركا، والمربي ينبغي أن يكون متصفا بأصول ثلاثة :
الأول : العلم ، فإذا كان المربي خالي الوفاض من العلم و المعرفة كيف يكون متأهلا للتربية لغيره، بل عليه أن يكون متأهلا بعلوم ومعارف كثيرة .
الثاني : إجادة أسلوب التربية، وأعني بها السياسة التربوية لإيصال الغاية والمعرفة للمراهق، وأصلها التدرج بالمراهق من البدايات إلى النهايات .
الثالث : أن يكون أهلا للإقتداء به والتأسي به، والتواضع البارد في هذه المجالات غير مقبول وهو نوع من الخذلان والهروب عن المسؤولية .